من منا لا يتعرض إلى مواقف مؤلمة وربما جراح غائرة تترك أثرها داخل النفس، برغم من محاولتنا لتجنب الإحساس بالألم الذي تتفطر قلوبنا من أجله، وربما تذوي أجسادنا بسببه إلا أن تواجدنا بمكان ما أو مرورنا بفترة زمنية أو مصادفتنا بأشخاص كفيله بأن تكون بواعث لهذا الألم. أعلم أن مقاومة الإحساس بالألم أشد من الألم نفسه، ولكن أن تكون أسيراً له ومقيداً بأغلال صمته القاتل فهو أمراً مثيراً للشفقة وللحزن معاً، ومن هنا سوف أسرد موقفاً صغيراً خرجت منه بنتيجة بسيطة أصبحت جزءاً من شخصيتي إلى هذا اليوم!! فلقد دأبت لفترة طويلة منذ طفولتي على عادة وهي أنه عندما أتعرض للإحراج أو أُجرح من قبل أشخاص أعرفهم أو لا أعرفهم أن أدير ظهري و أركض بعيداً عنهم ظناً مني أني لم أتعرض لهذا الموقف أبداً أو أني تركت الألم خلفي ظناً مني أن الأيام كفيله بإزاحته، ولكن ظل الشعور بالحزن يصاحبني ويزداد خاصة عند ملاقاتهم، ولطالما كانت أمي تشجعني على التحلي بالشجاعة للتعبير عن رأيي ومشاعري سواء في الفرح أو الحزن، إلى أن قررت في أحدى المرات الاستدارة مباشرة إلى زميلة لنا في الفصل كانت تجيد إطلاق التعليقات الساخرة الجارحة للجميع وقد دأبت على ذلك بشكل يومي وبدون تردد مني (وجهاً لوجه) عبرت لها بكل ما أوتيت من قوة عن مدى تأثير سخافاتها واستخفافها بالجميع وعن مدى قسوة الألم أو الإحراج الذي تسببه لنا!! وعند انتهاء حديثي إليها وهي في كامل صدمتها وذهولها لازمني شعوراً رائع لأني جعلتها تتوقف؛ وقتها خيل لي أني أرى علامة النصر على كل ما تقع عيني عليه، وفعلاً توقفت عن إصدار تلك التعليقات مع تقديمها الاعتذار التام للجميع إلى أن تخرجنا من المرحلة المتوسطة، ومن يومها لم أترك للألم مساحة بداخلي بقدر ما أتخلص منه حالاً، وكم وددت أن تقرأ هذا الموضوع اليوم لأشكرها؛ لأنها كانت سبباً لأحياء قوة بداخلي للتصريح بمشاعري لمن يتسبب بالأذى لها.!!
لم يتطلب مني في هذا الموقف إلا التحلي بالقليل من الشجاعة وقد كان كفيلاً بتغير أشياء كثيرة بداخلي إلى هذا اليوم..!!
فالصراحة والوضوح في التعبير عن المشاعر لا يتطلبان منك مثلاً القدرة على جرح الطرف الآخر أو إيذائه من أجل أشعاره بأحاسيسك !! بقدرما يتطلبان منك القدرة على لفت انتباهه أو إثاره تأنيب الضمير لديه ليشعر بالندم ثم الأسف لك فربما كانت أحاسيسك مبهمة له، أو ربما كان يجهل تماماً مدى الضغط الذي يمارسه عليك...!!!! دع لغة الحوار تتخذ مساحتها بينك وبين الآخرين سواء إن كان من محيطك الأسري أو الاجتماعي؛ حتى يتوقف نمو العواطف السلبية لديك تجاهه وتأخذ منحنى يوصلها إلى العواطف الإيجابيه أو تتوصل إلى قرار لا تندم عليه مطلقاً، هذا في حالة أحساسك بالألم أو الضغط أياً كان نوعه.
أما في حالة أحساسك بالفرح والسعادة فأرجو ألا تتوانى أو تبخل في الإفصاح عن مشاعرك السعيدة تجاه نفسك أو لغيرك؛ فهي من جهة نفسك تعزز العواطف الإيجابيه لديك لتنعكس على شخصيتك لتمنحها مزيداً من التقبل والثقة وبتالي العطاء، أما من ناحية غيرك ومهما كان محيطه الاجتماعي بالنسبة لك أوصلة القرابة بينكما أن وجدت فهي تكسبك ود واحترام الكثير من الأشخاص وفوق ذلك كله محبتهم فمن اتخذ محبة الناس تاجاً له فهو ملكاً غير متوج أو أتخذه رصيداً له فبلا منازع هو أغنى أغنياء العالم هذا كله، فليس هناك أجمل من أن تحاط بأشخاص يحبونك ويقدرونك وخاصة في وقت أزماتك وعثراتك فحتماً ستجد مائة يد تمتد إليك لتنهض من جديد.
المصدر : جريدة الرياض