وأكثر ما مدحت العرب في قديم شعرها وحديثها .. العيون .. ووصفت الشعراء عيون عشاقها بكثير من الأوصاف .. وللعيون لغة عزيز عالمها .. ولها رسائل ومخاطبات وجمل .. وربما تتعطل كافة اللغات الحية المباشرة عن الحديث أو الوصف فلا يبقى سوى هذه اللغة الرائعة الجميلة الساحرة .. لتعبر عما يدور في الخلجات دون كلام ..
صمت أبلغ من آلاف الكلمات .. ولحظ أوقع في القلب من ملايين العبارات ..
وتعطلت لغة الكلام فخاطبت عيناي في لغة الهوى عيناكِ
أجمل العيون .. هي تلك العيون الساهرة الساحرة .. التي تجذبك دون وعيك ولا تدري ما السر العجيب فيها ..
عيون تلمع حباً وروعة .. عيون تفتن وتذيب الصخر ..
كم من حبيبين تخاطبا بلحظيهما دون الكلمات .. مصداق فعلهما قول الأول ..
وملاحظين يكتمـان هواهمـا
جعلوا الصدور لما تكن قبورا
يتلاحظـان تلاحظـاً فكأنمـا
يتناسخان من الجفون سطورا
وكانت العرب تتفرس قديما بالعيون .. وربما تعكس لون العين وشكلها شخصية المرء في الغالب ..
فهذا الإمام الشافعي رحمه الله ارتحل أشهراً في طلب علم الفراسة وكان مما تعلم أن أصحاب العيون الزرق لا يخلون من بخل .. وفي طريق رجعته اعترضهم شخص بعيون زرق .. وأكرمهم وأحسن ضيافتهم .. فندم الشافعي على أيام تعلمه تلك .. فلما أصبحوا وأرادوا الارتحال .. طلب حق ضيافتهم .. فتنفس الشافعي الصعداء وعلم أن علمه لم يذهب هدرا ..
الشافعي بذاته يشعر في مدى نفوذ العيون على الجسد فيقول ..
مرض الحبيب فزرتـه
فمرضتُ من خوفي عليه
وأتى الحبيب يزورنـي
فبرأتُ من نظري إليـه
ولوصف العين دقة في عكس الشخصية .. وربما صاحب العين الضيقة من الطرف .. دلالة على حقد وحسد صاحبها ..
أما أصحاب العيون المستديرة كاستدارة عيون الذئب والنمر .. فتلك شخصية مكروه في الغالب .. ولا يعلم سبب كرهها .. لكن ربما لبذائة نفسها وخستها ..
أجمل العيون .. تختلف من شخص لآخر تقييمها ..
فجرير يرى أن العيون شديدة السواد في سوادها وشديد البياض في بياضها هي الأجمل وهي التي تسمى الحور ..
قال بعضهم _ ولا أتفق معهم بالطبع _ أن أجمل بيت قالته العرب في الغزل ما قاله جرير :
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لـم يحييـن قتلانـا
مع أن رأيي بأن أجمل العيون لوناً هو اللون العسلي لعذوبته ورقته وسحره ...
ووسع العيون دلالة جمالها أيضاً .. كما توصف عين المها بأنها أجمل العيون لوسعها ..
خطابات العيون وإشاراتها .. لها معاني في النفس ربما لا يدركها قائلها ولا يعيها ..
ولعلمكم فإن الدماغ مقسوم لفصين .. الأيمن مسئول عن الخيال والإبداع والجمال .. والأيسر مسئول عن الحفظ والقوائم والألوان ..
فإذا نظر الإنسان في جهته اليمنى لأعلى فهذا دليل على أنه يتخيل موقفاً بصريا .. وإن كان في مستوى الأذن فهذا يتخيل موقفاً سمعياً .. وإن كان في الأسفل وفي الجهة اليمنى أيضا فهذا يتخيل موقفاً شعورياً ..
أما الجهة اليسرى المقابلة لذلك .. فإنه يستدعي موقفا من ذاكرته .. محفوظاً وليس خيالاً ..
التواصل مع الآخرين عن طريق العيون مهم جداً وضروري ..
وحين التخاطب مع أحد وإن كنتَ في جمع .. فحاول بمستطاعك أن تتواصل معهم بعيونك قبل كل شيء ..
إتقان لغة العيون ضروري في هذا الزمان .. وقد اهتم بها علماء النفس وأصحاب البرمجة العصبية كثيراً ..
باقي أن أشير بأن هذه الجارحة _ العين _ هي من أوسع الحواس نفوذا للقلب ...